باحث سوري يكشف سبب تواجد جمامم المقاومين الجزائريين بمتحف باريس
الثلاثاء 21 يوليو 2020 - 7:42
(ليس في وسع سجلّ الذاكرة الاستعمارية أن يقلّب صفحات ذلك الماضي من دون وقفات معمقة)
كشف الأستاذ صبحي حديدي و هو باحث سوري مقيم بباريس عن سرّ تواجد جماجم شهداء المقاومة الشعبية الجزائرية الذين تواجدوا طيلة 170 سنة بمتحف الإنسان بباريس، و قد ربط هذا الباحث واقعة الجماجم بواقعة اعتذار ملك بلجيكا لشعوب الكونغو ورواندا وبوروندي عن الجرائم التي ارتكبتها السلطات الاستعمارية البلجيكية بحقّ الأطفال المهجنين، حيث أضافت هاتان الواقعتان فصلا جديدا إلى أرشيف المشروع الاستعماري الأوروبي في أفريقيا، وأسهمتا استطراداً في إعادة فتح ملفات الذاكرة بين المستعمِر والمستعمَر، على أصعدة تبدأ من إعادة تدوين التاريخ
كشف الأستاذ صبحي حديدي و هو باحث سوري مقيم بباريس عن سرّ تواجد جماجم شهداء المقاومة الشعبية الجزائرية الذين تواجدوا طيلة 170 سنة بمتحف الإنسان بباريس، و قد ربط هذا الباحث واقعة الجماجم بواقعة اعتذار ملك بلجيكا لشعوب الكونغو ورواندا وبوروندي عن الجرائم التي ارتكبتها السلطات الاستعمارية البلجيكية بحقّ الأطفال المهجنين، حيث أضافت هاتان الواقعتان فصلا جديدا إلى أرشيف المشروع الاستعماري الأوروبي في أفريقيا، وأسهمتا استطراداً في إعادة فتح ملفات الذاكرة بين المستعمِر والمستعمَر، على أصعدة تبدأ من إعادة تدوين التاريخ
ومن خلال ما جاء في مقال الباحث نشر في "أراء مغاربية " يبدو أن واقعة إفراج الحكومة الفرنسية عن رفات 24 من شهداء المقاومة الشعبية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي أواسط القرن التاسع عشر، و تسليمهم للحكومة الجزائرية بعد احتجاز دام 170 سنة ، هي شبيهة إلى حد ما بواقعة بلجيكا، عندما كتب الملك لويس فيليب ليوبولد ماري رسالة إلى رئيس جمهورية الكونغو فيليكس تشيسكيدي مهنئاً بالذكرى الستين لاستقلال البلد، أعرب فيها عن تأسفه العميق لجروح الماضي، أراد أن يستكمل اعتذار الحكومة البلجيكية الرسمي، قبل نحو عام، إلى شعوب الكونغو ورواندا وبوروندي عن الجرائم التي ارتكبتها السلطات الاستعمارية البلجيكية بحقّ أطفال هذه البلدان "المهجنين" (الذين ولدوا من زيجات مختلطة بين البيض والسود) ، ما كشفه الأستاذ صبحي حديدي أنّ رفات المقاومين الجزائريين لم تكن دفينة مقبرة ، لأنها نُقلت من الجزائر إلى فرنسا لأسباب "بحثية" حول الأجسام، في إطار الدراسات البيولوجية والإثنولوجية والأنثروبولوجية التي اقترنت منذ البدء بالمشاريع الاستعمارية.
أمّا الاحتفاظ بالرفات والجماجم في متحف العلوم الطبيعية في قلب العاصمة باريس، وليس في متحف عسكري مثلاً، لهو دلالة على أنّ العلاقة بين المشروع الاستعماري والمتاحف في أنظمة الاستعمار الأوروبية ظلت وثيقة على الدوام، وكانت الأركيولوجيا، والتنقيب عن الآثار بهدف سرقتها ونقلها إلى مراكز المتروبول الاوروبية الكبرى، إحدى ركائز هذه العلاقة، وبالطبع، لم تكن الصلات بعيدة، من جانب آخر، عن ثقافة إقامة النُصب وشيوع التماثيل التي تخلّد شخصيات سياسية أو عسكرية استعمارية، حتى إذا كانت سجلات بعض هؤلاء بغيضة وحافلة بالمسؤولية عن المجازر وجرائم الحرب، واعتبر صبحي حديد ذاكرة الاستعمار الفرنسي في الجزائر توغل في أنساق أخرى أشدّ وحشية وعنفاً، وهمجية من وقائع إخماد ثورة الجنوب الجزائري أواسط القرن التاسع عشر، وليس في وسع سجلّ الذاكرة الاستعمارية أن يقلّب صفحات ذلك الماضي من دون وقفات معمقة، متأنية وضرورية بقدر ما هي قاسية ومؤلمة، عند أمثال الجنرال الفرنسي بول أوساريس، أحد كبار جلاّدي الشعب الجزائري، لكن فرانسوا ميتيران وزير العدل الفرنسي آنذاك و أوّل رئيس يساري في الجمهورية الخامسة، تغاضى عن جرائم أمثال الجنرال أوساريس.
و يقارن صبحي حديدي رفض الحكومة الفرنسية تقديم اعتذارها للجزائريين عن جرائمها باعتذار الملك البلجيكي لشعوب الكونغو ورواندا وبوروندي، و إن جاء هذا الإعتذار متأخرا ، لكنه لم ينبثق من حسّ بواجب الذاكرة، أو إنصاف الحق والحقيقة، أو أن يقتدي بالكنيسة البلجيكية التي تقدمت، في سنة 2017، باعتذار مماثل أقرّ فيه الأساقفة بأنّ الكنائس في أفريقيا الوسطى (التي نُقل إليها الأطفال السود فتحولت إلى دور أيتام وبعثات تبشيرية) حظرت الزواج المختلط بين البيض والسود، وحرمت آلاف الأطفال من حقوقهم المدنية، بل كان مجبرا بعد تأثره بأجواء ما بعد خنق فلويد وموجات استنكار العنصرية ضدّ السود، ذلك لأنّ فظائع جدّه الملك ليوبولد الثاني في الكونغو لم تكن جرائم حرب فقط، بل كانت تجسيد البربرية القصوى من جانب وحش بشري، ما أكد عليه صبحي حديدي هو أن سياسة الذاكرة الاستعمارية لا يجوز لها تجاهل الجوهر الوحشي خلف الرفات والجماجم، لاعتبار مبدئي، أوّلا هو أنّ الشطر الاستعماري ـ الاستيطانيّ من التاريخ الأوروبي يحفل بآلاف الوقائع التي يستحيل أن تُطمس طيّ أحداث تُعاد بعد غياب 170 سنة، أو اعتذار خجول عن جراح كانت في حقيقتها جرائم إبادات جماعية، وتلك وقائع ارتكبها إسبان في الأمريكتَيْن وسائر العالم الجديد، وفرنسيون في الجزائر، وبريطانيون في الهند، وبلجيكيون في الكونغو، وبرتغاليون في أنغولا، وهولنديون في جنوب أفريقيا، وإسرائيليون في فلسطين ، و لكن كما يضيف هو هيهات أن تنفع في محو ندوبها الغائرة ترتيباتٌ إجرائية هنا، أو اعتذارات موسمية هناك.
علجية عيش
أمّا الاحتفاظ بالرفات والجماجم في متحف العلوم الطبيعية في قلب العاصمة باريس، وليس في متحف عسكري مثلاً، لهو دلالة على أنّ العلاقة بين المشروع الاستعماري والمتاحف في أنظمة الاستعمار الأوروبية ظلت وثيقة على الدوام، وكانت الأركيولوجيا، والتنقيب عن الآثار بهدف سرقتها ونقلها إلى مراكز المتروبول الاوروبية الكبرى، إحدى ركائز هذه العلاقة، وبالطبع، لم تكن الصلات بعيدة، من جانب آخر، عن ثقافة إقامة النُصب وشيوع التماثيل التي تخلّد شخصيات سياسية أو عسكرية استعمارية، حتى إذا كانت سجلات بعض هؤلاء بغيضة وحافلة بالمسؤولية عن المجازر وجرائم الحرب، واعتبر صبحي حديد ذاكرة الاستعمار الفرنسي في الجزائر توغل في أنساق أخرى أشدّ وحشية وعنفاً، وهمجية من وقائع إخماد ثورة الجنوب الجزائري أواسط القرن التاسع عشر، وليس في وسع سجلّ الذاكرة الاستعمارية أن يقلّب صفحات ذلك الماضي من دون وقفات معمقة، متأنية وضرورية بقدر ما هي قاسية ومؤلمة، عند أمثال الجنرال الفرنسي بول أوساريس، أحد كبار جلاّدي الشعب الجزائري، لكن فرانسوا ميتيران وزير العدل الفرنسي آنذاك و أوّل رئيس يساري في الجمهورية الخامسة، تغاضى عن جرائم أمثال الجنرال أوساريس.
و يقارن صبحي حديدي رفض الحكومة الفرنسية تقديم اعتذارها للجزائريين عن جرائمها باعتذار الملك البلجيكي لشعوب الكونغو ورواندا وبوروندي، و إن جاء هذا الإعتذار متأخرا ، لكنه لم ينبثق من حسّ بواجب الذاكرة، أو إنصاف الحق والحقيقة، أو أن يقتدي بالكنيسة البلجيكية التي تقدمت، في سنة 2017، باعتذار مماثل أقرّ فيه الأساقفة بأنّ الكنائس في أفريقيا الوسطى (التي نُقل إليها الأطفال السود فتحولت إلى دور أيتام وبعثات تبشيرية) حظرت الزواج المختلط بين البيض والسود، وحرمت آلاف الأطفال من حقوقهم المدنية، بل كان مجبرا بعد تأثره بأجواء ما بعد خنق فلويد وموجات استنكار العنصرية ضدّ السود، ذلك لأنّ فظائع جدّه الملك ليوبولد الثاني في الكونغو لم تكن جرائم حرب فقط، بل كانت تجسيد البربرية القصوى من جانب وحش بشري، ما أكد عليه صبحي حديدي هو أن سياسة الذاكرة الاستعمارية لا يجوز لها تجاهل الجوهر الوحشي خلف الرفات والجماجم، لاعتبار مبدئي، أوّلا هو أنّ الشطر الاستعماري ـ الاستيطانيّ من التاريخ الأوروبي يحفل بآلاف الوقائع التي يستحيل أن تُطمس طيّ أحداث تُعاد بعد غياب 170 سنة، أو اعتذار خجول عن جراح كانت في حقيقتها جرائم إبادات جماعية، وتلك وقائع ارتكبها إسبان في الأمريكتَيْن وسائر العالم الجديد، وفرنسيون في الجزائر، وبريطانيون في الهند، وبلجيكيون في الكونغو، وبرتغاليون في أنغولا، وهولنديون في جنوب أفريقيا، وإسرائيليون في فلسطين ، و لكن كما يضيف هو هيهات أن تنفع في محو ندوبها الغائرة ترتيباتٌ إجرائية هنا، أو اعتذارات موسمية هناك.
علجية عيش
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى