السياسات الإعلامية في الحد من مخاطر فيروس كورونا

تأثرت مصداقية الإعلام بشكل مباشر بسبب تداخل المنظومة الإعلامية بالعمليات السياسية القائمة وما نتج عن ذلك تعاظم دور وسائل الإعلام في الثورات العربية، والتي صنعت أزمات مجتمعية مباشرة مما غير من مسار ثقة المجتمعات في الإعلام المحلي والدولي، و قيدت حرية الصحافة في أغلب الدول التى نشأت فيها الثورات العربية وسرعان ما أن عادت قوة وجبروت السلطات الحاكمة لتوجيه الإعلام بما يحقق مصالحها، وزعزعت الثقة في مصداقية الثورات والقائمين عليها، لدرجة أن الإعلام العربي والمحلي تأثر بالطبقة السياسية و فقد هيبته كسلطة رابعة

هي دراسة أجراها باحث فلسطيني و هو الدكتور محمد محمد عبد ربه المغير من جامعة فلسطين، حول دور الإعلام في مواجهة الوباء، و سلسلة الصراعات البشرية التي يواجهها العالم اليوم مع الطبيعة نشرتها مجلة الدراسات الإعلامية في عددها الجديد 11 ماي 2020 ، و كيف اثرت التغيرات المناخية والآثار الصحية على المجتمع الإعلامي، جراء ظهور الأوبئة و انتشارها مما يسبب مشكلات بيئية وصحية تعاني منها المجتمعات البشرية، وقد صاحب ذلك متابعة اعلامية قوية من قبل وسائل الإعالم العالمي واهتمام واسع النطاق للمهتمين في إدارة المخاطر والحد من انتشار الأمراض والأوبئة، في ظل الضغوط الصحية التى تطلبت مزيدا من التوعية الإعالمية والمجتمعية في مجال الوقاية من الإصابة في الفيروس والحد من مخاطره، فقد ساهمت انتشار جائحة كورونا في تغير مسار الحياة الطبيعية ونقل العالم إلى ظواهر اجتماعية جديدة أثرت على طبيعة وجودة الترابط الإجتماعي والتكوين البشري المعتاد عليه، و هذا ينعكس على توحيد اللغة الإعلامية والإتصال والتواصل المستمر بين مكونات الحياة، بعدما اتجه العالم إلى سياسة التباعد الإجتماعي والتواصل عبر تكنولوجيا الإعلام الجديد بهدف تحقيق أعلى درجات الحماية من الإصابة .

و يرى صاجب الدراسة أن للإعلام دور هام في بناء التوجهات المجتمعية وتوجيه الكتل البشرية نحو الإجراءات السليمة والآمنة في تقليل تفشي الجائحة عالميا و محليا، بحكم أنه أصبح مرآة الشعوب والمؤثر الأساسي في توجهات المجتمع، إذ يعتبر مركز استسقاء المعلومات في القضايا السياسية والإجتماعية للمجتمع، ويساهم في تحريك الفكر البشري واعادة تشكيل الوعي المجتمعي، فالتأثير االعالمي لتوجيه المجتمع وتعظيم السلوك البشري والفهم والإكتساب المتبادل للمعلومات و التفاعل معها، يكتسب الجماهير الإتجاهات الجديدة وتعديل القيم بما يتماشى مع المتغيرات المجتمعية، لذا يجب الإهتمام بتشريع سياسات إعلامية تساهم في تعزيز التنمية الوطنية في ظروف أفضل من خلال اتباع اجراءات الوقاية من مخاطر انتشار وتفشي فيروس كورونا، فوسائل الإعالم أضحت أداة مؤثرة في استحداث وتغيير السلوكيات والممارسات، و أصبحت مضامينه مرتبة للأفكار بحيث أحكمت سيطرتها على مصادر المعلومات التي يعتمد عليها أفراد المجتمع ونخبته ومجموعاته ومنظماته في اتخاذ القرارات وتحقيق الأهداف،و تشكيل الوعي الصحي ومكافحة الأزمات الصحية العالمية في ظل انتشار الفيروس.

وذكرت الدراسة أهم العوامل المؤثرة في رسم السياسيات الإعلامية سواء كانت سياسية، اقتصادية أو اجتماعية ، فبحكم التغيرات الطارئة في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، إذ تؤثر العوامل السياسية في رسم السياسات الإعلامية وتوجيه المجتمعات لتحديد شكل آليات الإتصال والتواصل مع المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية في الدول المختلفة، وهذا من شأنه صناعة الأزمات الدبلوماسية بين الدول، و قد أثر الإستثمار على الإعلام وأصبح مؤثرا في رسم التوجهات التوعوية، فأغلب رجال الأعمال يمتلكون العديد من الشركات الإعلامية الضخمة التى لها تأثير بارز في الوطن العربي، مما سبّب وقوع صراعات إعلامية بين الدول، وقد أثرت تكنولوجية الإعلام و الإنفتاح المعلوماتي عبر الفضاء الإلكتروني المفتوح و وسائل الإتصال الإجتماعي في التفاعل المباشر مع الأحداث العالمية الطارئة، وفي تشكيل الخلايا والمجموعات الضاغطة على الدول والتي في أغلبها تتبع أجندات خارجية يتم تعبئتها عبر الوسائل الإعلامية والفيديوهات من أجل نشر الفتن المرتبطة بالإيدولوجيات الدينية والفكرية والطائفية، إذ أصبحت وسائل الإتصال والتواصل الإجتماعي أحد الأدوات المستخدمة في توجيه الرأي العالمي وبالتالي تدمير منظومة القيم والروابط الإجتماعية وتشويه صورة المجتمعات والمؤسسات والهيئات أمام الرأي العام.

و في ظل استمرار فيروس كورونا يدعو الكاتب إلى تحليل الإستراتيجيات الإعلامية من خلال تشخيص واقع المنظومة الإعلامية القائمة ومدى ارتباطها بالمكونات الرسمية، وفهم المشكلة الإعلامية في بناء الوعي المجتمعي و تطوير وتحسين جودة التواصل الجماهيري المباشر بين الطبقة السياسية والحكومة والمجتمع، كما يدعو الكاتب إلى تحليل الواقع الإعلامي يتطلب دراسة الموارد الإعلامية القائمة، وقوة تأثير الشخصيات العاملة في القطاع الإعلامي، و قد خلصت الدراسة إلى أن هناك مجموعة كبيرة من السياسات الواجب اتباعها من قبل المجتمع الدولي لتوجيه الإعلام لخدمة السياسات الوقائية المختلفة في مواجهة تفشي انتشار الفيروس، إذ أن الواقع الذي يعيشه العالم اليوم يتطلب البحث عن سياسات تعمل على التعايش الآمن مع انتشار الفيروس، وهذا يتطلب فتح ورشات عمل لمناقشة قضية تفشي الفيروس ودور التوجيه الإعالمي في الحد انتشاره، دون أن ينسى دور المؤسسات الحكومية في المتابعة الجيدة لوسائل التواصل والإعالم التفاعلي وتشديد الرقابة على كل من يثير قضايا تؤثر على نمط الحياة الطبيعية ونشر الإشاعات حول أعداد الإصابات أو الوفيات، أو توجيه المواطنين لمخالفة التوجهات الحكومية في مكافحة مخاطر الفيروس وآثاره.

علجية عيش