هو الأفلان المُعْتَدَى عليه
الأربعاء 3 يونيو 2020 - 7:08
هو الأفلان المُعْتَدَى عليه
العنوان مقتبسٌ من كتاب الدكتور محمد العربي الزبيري "جبهة التحرير الوطني المعتدى عليها" صدر في 2014 عن دار الحكمة للنشر، دعا فيه إلى وجوب المقارنة بين جبهة التحرير الوطني و حزب جبهة التحرير الوطني، و قال أن الفرق بينهما يكمن من جهة في منظومة الأفكار المعتمدة لبناء المجتمع الجزائري و في طريقة تجسيدها على أرض الواقع من جهة ثانية، و قد يكون كتابه ردّا شافيا على من يطعنون اليوم في جبهة التحرير الوطني، و ينادون بوضعها في المتحف، بسبب الصراعات بين قياداتها حول السلطة، منذ المؤتمر التاسع لم تجد جبهة التحرير الوطني من يحمل على كتفيه هذا الإرث التاريخي بعد رحيل كبار رموزه من المجاهدين النزهاء، الذين ناضلوا بإخلاص من أجل بناء الدولة الجزائرية و بعثها من جديد في شكل جمهورية ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية، و إعادة توحيد شمال افريقيا، بعد مخاض عسير عاشته أيام الثورة و في العشرية السوداء، و كل ما تمّ كان مجرد "ترقيعات"، فتعيين أبو الفضل بعجي على رأس الأفلان أو "حزب الثورة" إن صح تسميته خلفاً لمحمد جميعي، الموجود في سجن الحراش منذ سبتمبر الماضي على خلفية قضايا فساد، أثار الكثير من الجدل، خاصة و أن اسمه لم يكن مألوفا لدى القاعدة النضالية و لا حتى في المكتب السياسي أو اللجنة المركزية، و هو ما سمّوه بتكريس الإنحراف من جديد و الذي راحت الجبهة ضحيته، لأن الأيادي الخفية كانت لها بالمرصاد.
كانت النتيجة طبعا أن حدث الإنفصال ( الطلاق) بين القيادة و القاعدة، قبل الحراك الشعبي و بعده و زاد الوضع تأزما ظهور الوباء، و إن كان هذا التعيين من شأنه أن يضع حدا لهذه الصراعات، و إعادة وضع قطار الأفلان في السكة الصحيحة و انطلاقه من جديد، إلا أنه لقي ردود فعل كثيرة و طرح عدة تساؤلات ، أولا لأن الظرف الصحي لا يسمح بعقد هكذا دورات و اتخاذ قرارات في قضايا حساسة و مصيرية لها ارتباط وثيق بمستقبل البلاد، لاسيما و حزب جبهة التحرير الوطني كان القاطرة التي تقود البلاد ، منذ الإستقلال إلى غاية التعددية التي وافق عليها مرغما، و بحكم أنه صاحب الأغلبية البرلمانية، فهو يرى (أي الأفلان) أنه من الصعب التنازل عن حق اكتسبهُ و منحه صفة الشرعية، و الأمر الثاني أن المعارضة داخل الحزب لم تكن راضية بالأمين العاد الجديد رغم أنه محسوبا عليها، لا لشيئ إلا لأن العملية تمت بالتزكية و ليس عن طريق الصندوق (الإنتخاب)، و هذا إن دل على شيئ فإنما يدلّ على أن الدورة الإستثنائية كان مخطط لها من قبل، و هو ما تم فعلا من خلال إبعاد منافسه جمال بن حمودة، و هو الرجل المعروف على مستوى القواعد النضالية، و يشهد له نضاله و حبه للحزب و للوطن ، و هو ما أثار استياء البعض الذين ربطوا مسألة التعيين بقضايا أخرى تتعلق بعلاقة الجزائر بالمغرب وما يشوبها من خصومة و عداء، كون المعنى حسب تعبيرهم له علاقة مصاهرة مع المغاربة، و لا يستبعد أن يكون مغربي المولد و المنشأ.
و قد لقيت عملية التزكية ردود فعل المتتبعين للشأن السياسي في الجزائر و علقوا بالقول: المراركة يتحكمون فينا؟ ، كل شيئ ممكن طبعا في بلد كالجزائر، بلد عاش الصراعات و الإنقلابات منذ الرئيس أحمد بن بلة التي كانت له علاقة وطيدة بالملك المغربي الحسن الثاني، و الذي يراجع مذكرات هذا الأخير و التي كانت بعنوان: "انبعاث أمة" في جزئها الثامن، يقف على العديد من الحقائق المثيرة و الإتفاق الذي تم بين الحسن الثاني وأحمد بن بلة بخصوص قضية الصحراء الغربية و مطلب الحسن الثاني بضم تندوف إليه، هو الصراع يتجدد، لكن بخصوصيات جديدة تزامنت مع الظرف الصحي و استمرار انتشار وباء كورونا، الذي صاحبته قرارات بتطبيق الحجر الصحي و التباعد، هو صراع المناصب، و ليته كان صراع أفكار، في السياسة تتغلب القوة الجسدية و المالية على القوة الفكرية، لقد اعتاد الحزب العتيد إسناد المسؤوليات الأساسية في جميع الميادين لغير المناضلين أو لمناضلين لا يؤمنون بفكرة "الإثراء"، و كلما يقترب مؤتمر أو دولة اللجنة المركزية يستأجرون أصحاب العضلات لفرض منطقهم، مثلما حدث في المؤتمر التاسع بين سعيداني و بلخادم الذي منع و أنصاره من دخول قاعة المؤتمرات.
لايختلف إثنان أن استمرار الإضطراب داخل الحزب يخدمهم، كما أن بقاء الوضع على حاله في صالحهم، و هذا لا يخدم القواعد النضالية التي كانت و ما تزال متعطشة لحوار صريح مباشر يفتح بينها و بين الأمين العام حول أساليب العمل النضالي داخل الحزب و كيف يمكن أن يكون ممثلا شرعيا للجماهير الشعبية، و يمكن القول ان ما حدث شبيه إلى حد ما بالمؤامرة على الحزب، بعدما اختلف الرفاق و تفرقوا، و أضحى الحزب لعبة بيد العابثين بتاريخ الجبهة، و شتان بين الذين يؤمنون بجبهة التحرير التاريخية التي حققت للشعب الجزائري الحرية و الإستقلال و بين المتاجرين بها من الإنتهازيين و الوصوليين، الذين غذتهم الرداءة و السّلبية، و لم تكن لهم الشجاعة ليعالجوا مشاكل الحزب من جذورها، و من أوصلها إلى ما هي عليه اليوم، و يقفون موقف المدافع عنها و حمايتها، هذه هي جبهة التحرير الوطني المُعْتَدَى عليها تبحث عن أبنائها الحقيقيين لإنقاذها.
علجية عيش
كاتبة و صحافية
العنوان مقتبسٌ من كتاب الدكتور محمد العربي الزبيري "جبهة التحرير الوطني المعتدى عليها" صدر في 2014 عن دار الحكمة للنشر، دعا فيه إلى وجوب المقارنة بين جبهة التحرير الوطني و حزب جبهة التحرير الوطني، و قال أن الفرق بينهما يكمن من جهة في منظومة الأفكار المعتمدة لبناء المجتمع الجزائري و في طريقة تجسيدها على أرض الواقع من جهة ثانية، و قد يكون كتابه ردّا شافيا على من يطعنون اليوم في جبهة التحرير الوطني، و ينادون بوضعها في المتحف، بسبب الصراعات بين قياداتها حول السلطة، منذ المؤتمر التاسع لم تجد جبهة التحرير الوطني من يحمل على كتفيه هذا الإرث التاريخي بعد رحيل كبار رموزه من المجاهدين النزهاء، الذين ناضلوا بإخلاص من أجل بناء الدولة الجزائرية و بعثها من جديد في شكل جمهورية ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية، و إعادة توحيد شمال افريقيا، بعد مخاض عسير عاشته أيام الثورة و في العشرية السوداء، و كل ما تمّ كان مجرد "ترقيعات"، فتعيين أبو الفضل بعجي على رأس الأفلان أو "حزب الثورة" إن صح تسميته خلفاً لمحمد جميعي، الموجود في سجن الحراش منذ سبتمبر الماضي على خلفية قضايا فساد، أثار الكثير من الجدل، خاصة و أن اسمه لم يكن مألوفا لدى القاعدة النضالية و لا حتى في المكتب السياسي أو اللجنة المركزية، و هو ما سمّوه بتكريس الإنحراف من جديد و الذي راحت الجبهة ضحيته، لأن الأيادي الخفية كانت لها بالمرصاد.
كانت النتيجة طبعا أن حدث الإنفصال ( الطلاق) بين القيادة و القاعدة، قبل الحراك الشعبي و بعده و زاد الوضع تأزما ظهور الوباء، و إن كان هذا التعيين من شأنه أن يضع حدا لهذه الصراعات، و إعادة وضع قطار الأفلان في السكة الصحيحة و انطلاقه من جديد، إلا أنه لقي ردود فعل كثيرة و طرح عدة تساؤلات ، أولا لأن الظرف الصحي لا يسمح بعقد هكذا دورات و اتخاذ قرارات في قضايا حساسة و مصيرية لها ارتباط وثيق بمستقبل البلاد، لاسيما و حزب جبهة التحرير الوطني كان القاطرة التي تقود البلاد ، منذ الإستقلال إلى غاية التعددية التي وافق عليها مرغما، و بحكم أنه صاحب الأغلبية البرلمانية، فهو يرى (أي الأفلان) أنه من الصعب التنازل عن حق اكتسبهُ و منحه صفة الشرعية، و الأمر الثاني أن المعارضة داخل الحزب لم تكن راضية بالأمين العاد الجديد رغم أنه محسوبا عليها، لا لشيئ إلا لأن العملية تمت بالتزكية و ليس عن طريق الصندوق (الإنتخاب)، و هذا إن دل على شيئ فإنما يدلّ على أن الدورة الإستثنائية كان مخطط لها من قبل، و هو ما تم فعلا من خلال إبعاد منافسه جمال بن حمودة، و هو الرجل المعروف على مستوى القواعد النضالية، و يشهد له نضاله و حبه للحزب و للوطن ، و هو ما أثار استياء البعض الذين ربطوا مسألة التعيين بقضايا أخرى تتعلق بعلاقة الجزائر بالمغرب وما يشوبها من خصومة و عداء، كون المعنى حسب تعبيرهم له علاقة مصاهرة مع المغاربة، و لا يستبعد أن يكون مغربي المولد و المنشأ.
و قد لقيت عملية التزكية ردود فعل المتتبعين للشأن السياسي في الجزائر و علقوا بالقول: المراركة يتحكمون فينا؟ ، كل شيئ ممكن طبعا في بلد كالجزائر، بلد عاش الصراعات و الإنقلابات منذ الرئيس أحمد بن بلة التي كانت له علاقة وطيدة بالملك المغربي الحسن الثاني، و الذي يراجع مذكرات هذا الأخير و التي كانت بعنوان: "انبعاث أمة" في جزئها الثامن، يقف على العديد من الحقائق المثيرة و الإتفاق الذي تم بين الحسن الثاني وأحمد بن بلة بخصوص قضية الصحراء الغربية و مطلب الحسن الثاني بضم تندوف إليه، هو الصراع يتجدد، لكن بخصوصيات جديدة تزامنت مع الظرف الصحي و استمرار انتشار وباء كورونا، الذي صاحبته قرارات بتطبيق الحجر الصحي و التباعد، هو صراع المناصب، و ليته كان صراع أفكار، في السياسة تتغلب القوة الجسدية و المالية على القوة الفكرية، لقد اعتاد الحزب العتيد إسناد المسؤوليات الأساسية في جميع الميادين لغير المناضلين أو لمناضلين لا يؤمنون بفكرة "الإثراء"، و كلما يقترب مؤتمر أو دولة اللجنة المركزية يستأجرون أصحاب العضلات لفرض منطقهم، مثلما حدث في المؤتمر التاسع بين سعيداني و بلخادم الذي منع و أنصاره من دخول قاعة المؤتمرات.
لايختلف إثنان أن استمرار الإضطراب داخل الحزب يخدمهم، كما أن بقاء الوضع على حاله في صالحهم، و هذا لا يخدم القواعد النضالية التي كانت و ما تزال متعطشة لحوار صريح مباشر يفتح بينها و بين الأمين العام حول أساليب العمل النضالي داخل الحزب و كيف يمكن أن يكون ممثلا شرعيا للجماهير الشعبية، و يمكن القول ان ما حدث شبيه إلى حد ما بالمؤامرة على الحزب، بعدما اختلف الرفاق و تفرقوا، و أضحى الحزب لعبة بيد العابثين بتاريخ الجبهة، و شتان بين الذين يؤمنون بجبهة التحرير التاريخية التي حققت للشعب الجزائري الحرية و الإستقلال و بين المتاجرين بها من الإنتهازيين و الوصوليين، الذين غذتهم الرداءة و السّلبية، و لم تكن لهم الشجاعة ليعالجوا مشاكل الحزب من جذورها، و من أوصلها إلى ما هي عليه اليوم، و يقفون موقف المدافع عنها و حمايتها، هذه هي جبهة التحرير الوطني المُعْتَدَى عليها تبحث عن أبنائها الحقيقيين لإنقاذها.
علجية عيش
كاتبة و صحافية
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى